الجمعة، 28 سبتمبر 2012

غِيبة العلماء والأمراء ليست كغيبة عامة الناس !




غِيبة العلماء والأمراء ليست كغيبة عامة الناس !



فضيلة العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين :كذلك قد نسمع عن بعض العلماء أخطاءً وليس أحدٌ معصوم من الخطأ ، فهل نأخذ بما سمعنا دون تثبت !؟ لا . لا بد للإنسان أن يتثبت ؛ لأن هذا الناقل قد يكون فهم كلام العالم خطًأ ، وقد يكون سأل عن شيء ليس هو الذي يريد ؛ فأخطأ في التعبير ؛ فأجاب العالم على حسب ما سمع ، والعالم إنما يجيب على حسب ما يسمع ؛ لأنه لا يعلم ما في القلوب ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : (إنما أقضي بنحو ما أسمع) .

هذا وهو الرسول - عليه الصلاة والسلام - : (فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئًا بغير حق ؛ فإنما أقتطع له جمرة من النار ؛ فليستقل أو يستكثر) .

وإذا ثبت عن العالم ما نقل عنه ؛ فهل نطيل ألسنتنا بسب هذا العالم !؟

لا . لا نفعل ؛ لأن هذا لا يجدي من الحق شيئًا ، وربما تأخذ العالم العزة بالإثم ؛ فيزداد في ما هو عليه من الخطأ . إذًا العلاج أن نذهب إليه - إلى هذا العالم - بأدب وبأسلوب رفيع ، ونقول : بلغنا عنك كذا وكذا ؛ فما وجهه !؟

نرجو أن تبين لنا وجه ذلك ؛ لأنك عندنا في منزلة عالية لعلمك وفضلك ، فأخبرنا ، إذا أخبر بوجهة ما قال وكانت الوجهة حقًا ؛ فالواجب علينا أن نقبل ما قال وأن ندافع عنه في المجالس ، ونقول : إنما قال : كذا لكذا وكذا ، فننقذ سمعة الرجل ونبين الحق .

واعلموا - يا إخواننا - أن غيبة العلماء ليست كغيبة عامة الناس ؛ لأن غيبة العالم لا شك أنها تؤثر عليه ، لكن تؤثر على شيء أهم وهو ما يحمله من العلم من علم الشريعة ؛ لأن الناس إذا لم يثقوا بالعالم لم يقبلوا قوله حتى لو قال الصواب ، فتكون أنت إذا اغتبت العالم جنيت على العالم وعلى الشريعة ؛ لأن الناس لا يثقون بقوله بعد هذا .

كذلك الأمراء وولاة الأمور ، ليست غيبتهم كغيبة غيرهم ، وليست غيبة غيرهم كغيبتهم ؛ لأنك إذا اغتبت ولاة الأمور أو نشرت معايبهم بين الناس كرههم الناس ، وصاروا إذا أمروا بالحق قال الناس : هذا باطل ، وتمردوا عليهم ، وماذا يحصل للأمة إذا تمردت على أمرائها !؟

تحصل الفوضى ، وربما يصل الأمر إلى أن تسيل الدماء ، ولا يخفى علينا جميعًا ما وقع في بعض البلاد العربية بناءًا على هذا ، والواجب علينا إذا سمعنا وتأكدنا عن الأمراء ما لا ينبغي أن نناصحهم ، أن نبذل لهم النصيحة ، كما قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : (الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم) .

هؤلاء خمسة :

أولاً :النصح لله - عز وجل - بأن تخلص له الدين ، ولا تريد بالعبادة ما سوى الله - عز وجل - ، لا تريد أن يمدحك الناس ؛ فإن مدح الناس لا ينفعك ولا يضرك ، لا ينفعك إلا ما كتب الله لك .

ثانيًا :النصيحة لكتاب الله وهو القرآن : أن تصدق بأخباره ، وأن تمتثل أوامره ، وأن تجتنب نواهيه ، وأن تذود عنه تحريف المبطلين وغلو الغالين ، القرآن كلام الله عز وجل ؛ وهو أمانة بين أيدينا يجب علينا أن نذب عنه وأن ندافع عنه .

ثالثًا :النصيحة للرسول : بالإيمان بأنه رسول الله حقًا ، وأن نصدق خبره ، وأن نمتثل أمره ، وأن نجتنب نهيه - صلوات الله وسلامه عليه - ، فهو الإمام وهو القدوة والأسوة .

رابعًا :لأئمة المسلمين . وأئمة المسلمين هم الذين يقتدي بهم المسلمون إما بالتشريع وإما بالتنفيذ ، وهم : العلماء والأمراء .

العلماء :أئمة يدعون الناس إلى كتاب الله - عز وجل - ، هم المقدمون في هذا ، والأمراء :أئمة ، ولهذا من له السلطة العليا يسمى الإمام ، فهم الأئمة ينفذون شريعة الله ، وحينئذٍ يكون من الإمام الأول في الأئمة هم العلماء ؛ لأن الأمراء يجب عليهم أن يتبعوا الحق الذي قاله العلماء .

إذًا ؛ فالحقيقة أن الإمامة بيد العلماء ، والمراد بالعلماء : العلماء الربانيون الذين هم العلماء حقيقة ؛ لأنك إذا تدبرت أحوال العلماء وجدت أنهم ثلاثة أقسام :

الأول :عالم ملة . الثاني :عالم دولة . الثالث :عالم أمة .

الأول : عالم ملة :وهو الذي ينشر الملة ويبينها للناس ويعمل بها ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، هو يريد إقامة الملة لا غير ، حتى إنه ليفتي أباه فيقول : يا أبت ! هذا حرام ، يا أبت ! هذا واجب ، ويفتي السلطان ويقول : هذا حرام وهذا حلال ، لكن بالحكمة .

الثاني : عالم دولة :ينظر ما تشتهيه الدولة فيحكم به ويفتي به حتى لو خالف نص الكتاب والسنة ، وإذا خالف نص الكتاب والسنة شرع في تحريفه ، وقال : المراد بكذا كذا وكذا ، فحرف الكتاب والسنة لإرضاء الدولة .

الثالث : عالم أمة :ينظر ماذا يريد الناس العامة فيفتيهم بما يستريحون إليه ، حتى ولو كان على حساب نصوص الكتاب والسنة ، ولذلك تجده يتتبع الرخص لإرضاء العامة ، ويقول : هذه مسألة خلافية والأمر واسع .

سبحان الله ! الأمر واسع ؛ والله يقول - عز وجل - : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) . (النساء : 59) .

كيف تقول : هذه فيها خلاف وأمرها واسع ؟!

والله إن الأمر ضيق ، وإذا وجد الخلاف يجب أن يحقق الإنسان في المسألة أكثر وأكثر حتى يتبين له الصواب ، أما كونه يسترخي ويقول : هذه مسألة خلافية ، والأمر واسع ، وباب الاجتهاد مفتوح ، وما أشبه ذلك ، فهذا خطأ ، الواجب أن يتبع الإنسان ما دل عليه الكتاب والسنة سواءٌ أرضى الأمة أم أسخطها .

والله - عز وجل - يقول : ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ ) . (القصص : 65) .

ما قال : ماذا أجبتم العامة ؟ ماذا أجبتم الدولة ؟ ( مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ ) .

فليتق الله العالم إذا نوقش في مسألة قال فيها بخطأ ليتق الله وليتبع الحق ، وليعلم أنه إذا تبع الحق بعدما تبين فإن ذلك والله رفعة له ، وليس كما يخيله الشيطان أنه إضاعة له ، بعض الناس يقول : إذا رجعت إلى فلان وفلان في المناقشة يعني أنني مهزوم ومغلوب ، ولكن الواقع أنه هازم نفسه غالب على نفسه الأمارة بالسوء ، ارجع إلى الحق أينما كان ، وخذه من أي مصدر ، ألم تعلموا أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ؛ وهو أرجح الناس عقلاً وأصوبهم صوابًا : أمر أن يستشير الناس ، فقال الله - عز وجل - : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) . (آل عمران : 159) . وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومعلوم أنه إذا شاور سوف يرجع إلى الرأي الصواب سواءٌ كان رأيه أو رأي غيره .


فعلى المسلم أن يتقي الله - عز وجل - ، وأن يتبع الحق أينما كان ، وأن يعلم أنه بتواضعه ورجوعه إلى الحق يزيده الله - تبارك وتعالى - رفعة وعزة في الدنيا والآخرة
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق